قَوْلُهُ : ( أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سَلِيمٍ الْحَنَفِيُّ ( قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ) هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَكَيْفَ أَيْ حَالُ الْكُفَّارِ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا وَهُوَ نَبِيُّهَا وَجِئْنَا بِكَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَيْ أُمَّتِكَ شَهِيدًا حَالٌ أَيْ شَاهِدًا عَلَى مَنْ آمَنَ بِالْإِيمَانِ وَعَلَى مَنْ كَفَرَ بِالْكُفْرِ وَعَلَى مَنْ نَافَقَ بِالنِّفَاقِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ الظُّفَرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ ، وَهُوَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ فِي بَنِي ظُفْر . أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَتَاهُمْ فِي بَنِي ظُفَرَ وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَمَرَ قَارِئًا فَقَرَأَ ، فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا فَبَكَى حَتَّى ضَرَبَ لَحْيَاهُ وَوَجْنَتَاهُ فَقَالَ يَا رَبِّ هَذَا عَلَى مَنْ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَيْهِ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ أَرَهُ . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا يُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أُمَّتُهُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَلِذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ . فَفِي هَذَا الْمُرْسَلِ مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ الَّذِي تَضْمَنَّهُ حَدِيثُ ابْنِ فَضَالَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( غَمَزَنِي ) الْغَمْزُ : الْعَصْرُ وَالْكَبْسُ بِالْيَدِ أَيْ أَشَارَ بِالْيَدِ لِأَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الْقِرَاءَةِ ، وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ " حَسْبُكَ الْآنَ " ( وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ : تَذْرِفَانِ . أَيْ تَسِيلَانِ دَمْعًا . قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : إِنَّمَا بَكَى ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ مَثَّلَ لِنَفْسِهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشِدَّةِ الْحَالِ الدَّاعِيَةِ لَهُ إِلَى شَهَادَتِهِ لِأُمَّتِهِ بِالتَّصْدِيقِ وَسُؤَالِهِ " - ص 301 -" الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ وَهُوَ أَمْرٌ يَحِقُّ لَهُ طُولُ الْبُكَاءِ . انْتَهَى .
قَالَ الْحَافِظُ : وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بَكَى رَحْمَةً لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ بِعَمَلِهِمْ ، وَعَمَلُهُمْ قَدْ لَا يَكُونُ مُسْتَقِيمًا فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَعْذِيبِهِمْ . قَالَ الْغَزَالِيُّ يُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَعِنْدَهَا وَطَرِيقُ تَحْصِيلِهِ أَنْ يَحْضُرَ قَلْبَهُ الْحُزْنُ وَالْخَوْفُ بِتَأَمُّلِ مَا فِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْوَثَائِقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يَنْظُرَ تَقْصِيرَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حُزْنٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ .